مقدمة حول شخصية يونان و قصة الحوت
لقد عبر الكتاب المقدس آلاف السنين مواجهًا وبكل قوة الانتقادات الموجهة له منتصرًا على النقد متخطيًا كل عقبة ليؤكد لنا أنه كتاب الكتب.. كتاب الحقائق التي لا تتغير ولا تقبل نقدًا، فهو كتاب الله الذي لا يخطئ. ومن ضمن الأجزاء التي تعرضت لنقد شديد قصة يونان النبي والحوت.
حيث يتكلم عنه الكتاب المقدس قائلًا: "وأما الرب فأعد حوتًا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليال.. وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر" (يو17:1؛ 10:2).
فكيف يحدث هذا؟ فإن كان الله قد دبَّر حوتًا ليتلقى يونان Jonah فور إلقائه من السفينة التي كان هاربًا عليها، فإنه يتلقاه للموت والفناء وليس للحياة والبقاء.. يموت سواء بأسنانه أو غرقًا في لجة البحر أو اختناقًا داخل أحشاء الحوت، أو حتى يموت عصرًا نتيجة ضغط أعضاء الجهاز الهضمي للحوت لطحنه وهضمه مع باقي المأكولات، وإن لم يمت عصرًا فهو يموت هضمًا حيث يذوب بالعصارات الهاضمة التي تفرز لهضم الأطعمة داخل الحوت. فكيف ليونان أن يبقى حيًا؟!
أولًا: حقيقة شخصية يونان:
1- قصة يونان النبي لم تذكر فقط في سفر يونان ولكنها في سجل ملوك بني إسرائيل، فنجدها في سفر الملوك الثاني (2مل25:14)، فيعلن الكتاب اسمه واسم أبيه ومكان إقامته، بل واسم الملك الذي كان يحكم البلاد في وقته
- بل نجد ذكره أيضًا في العهد الجديد وعلى لسان السيد المسيح نفسه: "جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له أية الا آيه يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة ايام وثلاث ليال" (مت40:39:12). فقول السيد المسيح لا يؤكد فقط حقيقة يونان، بل حقيقة دخوله إلى جوف الحوت كرمز لدفنه وقيامته. وذكره السيد المسيح مرة أخرى في تبكيته لليهود: "رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه؛ لأنهم تابوا بمناداة يونان" (مت41:12).
ثانيًا: يونان النبي والحوت:
وإن كانت شخصية يونان شخصية حقيقة مؤكدة بالكتاب المقدس، فالمشكلة تتعلق بعلاقته بالحوت، والتي تظهر لأول وهلة أنها من نسج الخيال. فهل من الممكن لحوت أن يبتلع إنسانًا ويبقى داخله حيًا ثلاثة أيام؟! ولا يتعرض للموت بأي طريقة من المذكورة في مقدمة هذا القسم؟! هل هو مجرد حلم مزعج حلمه يونان؟ بالطبع لا، فشهادة السيد المسيح واضحة كل الوضوح في هذا الأمر.
الحوت.. بين اللغة والعلم
أولًا: اللغة وحوت يونان
نحن نعلم أن الكتاب المقدس كتب بلغتين أساسيتين، فكتب العهد القديم باللغة العبرية والعهد الجديد باللغة اليونانية. وبالرجوع للعهد القديم نجد أن الكلمة التي استعملت في قصة يونان وترجمت "حوت" هي كلمة "دوج"، ولقد وردت هذه الكلمة في العهد القديم 19 مرة، وترجمت في كل مرة بعبارة "سمكة" fish، إلا أن في قصة يونان ترجمت "حوت" في حين أن كلمة حوت بالعبري "تنين" وفي العهد الجديد حيث كتب باللغة اليونانية نجد أن الكلمة اليونانية المستخدمة هي "كيتوس" وترجمت أيضًا إلى "حوت" whale، ولكنها تعني في الواقع "وحش من الأعماق".
من هذا نرى أن ما ابتلع يونان قد يكون حوتًا أو وحشًا من الأعماق أو سمكة كبيرة، ويمكننا أن نستبعد عبارة وحش الأعماق هذه لأنها تعني سمكة كبيرة أو حوتًا ضخمًا.
ثانيًا: العلم وحوت يونان:
أ) الحيتان:
هي نوع من الحيوانات الثديية التي تلد وهي ترضع أولادها، وهي تعيش في الماء. وهي تنقسم نوعين:
الأول: ذوات الأسنان Denticete
الثاني: عديمة الأسنان Mysticete
ولأول وهلة نجد أن النوع الأول لا يمكن أن يكون هو المقصود، وإلا تعرض يونان للموت بأسنانه. ولهذا علينا أن نبحث في النوع الثاني.
1- عدم وجود أسنان حيث يوجد في الجزء الخلفي من تجويف الفم صفائح رقيقة تتصل بالفكين العلوي والسفلي، ويصل عددها إلى 300 تقريبًا، ويستخدمها في أسلوب أكله الغريب، حيث تندفع هذه الحيتان فاتحة فمها للماء، وما يحمله من أطعمة، ثم تغلق الفكين باللسان الماء إلى الخارج مستبقية الطعام خلف هذه الحواجز
- هذه الحيتان من الأنواع الضخمة جدًا، فمنها النوع المعروف باسم Megapetera Medosa، والذي يبلغ طوله 50 قدمًا، ونوع آخر يسمى Balaenoptera Musculus وطوله يتراوح ما بين 75-95 قدمًا، ووزنه حوالي 150 طنًا..
وفي أحد المرات سد أحد هذه الحيتان قناة بنما لضخامته
- تتميز أيضًا بمعدتها المعقدة التي تتكون من عدة حجرات قد تصل إلى ستة حجرات، ومن الممكن لمجموعة من الناس أن تختبئ في إحداها.
4- الحوت يتنفس الهواء مباشرة ويخزنه في تجويفًا أنفيًا كبيرًا جدًا طوله 14 قدمًا، وعرضه سبعة أقدام وارتفاعه سبعه أقدام، وذلك لاستخدام مخزون الهواء للتنفس عند النزول إلى أعماق البحر لفترة طويلة.
5- هذا النوع من الحيتان إذا ابتلع جسمًا كبيرًا يحوله على هذه الحجرة الممتلئة هواء ولا يُدخِله إلى معدته بل ويسعى ليقلبه خارجًا على الشاطئ بعيدًا عن المياه حتى لا يبتلعه مرة أخرى.
ومن خلال دراستنا للحيتان يمكننا أن نجزم أن أحدها من الأنواع الضخمة العديمة الأسنان قد ابتلع يونان وحوَّله إلى تجويف الرأس الممتلئ بالهواء حتى اقترب الحوت من الشاطئ، وهناك ألقى يونان.
يا لها من غواصة عظيمة أرسلت في وقتها المناسب لاستبقاء حياة يونان بل ونقله سليمًا إلى الشاطئ.. إنه عمل الله العجيب.
ب) الأسماك:
ولاستكمال الدراسة العلمية علينا أن نبحث أيضًا في هل يوجد من الأسماك أحجام تتناسب مع حجم الإنسان؟ وإذا وجدت هذه الأحجام، فهل هي مؤهلة لمكوث يونان بها ثلاثة أيام؟
بالبحث نجد أنه من جهة الحجم فهناك سمكة القرش الكبير الذي يبتلع أجسامًا أكبر من حجم الإنسان، ولكن هذه الأسماك مفترسة تمزق فريستها أولًا ثم تبتلعها
ولكن توجد أنواع من الأسماك أيضًا يمكنها أن تبتلع إنسانًا ولكنها ليست من نوع سمك القرش المؤذي وهو Rhinodon Typicus (أو Rhincodon Typus)، ومنه Whale shark، Shark Indopa Bone، Cific Shark.. وتتميز هذه الأنواع بعدة مميزات تؤهلها لابتلاع إنسان دون أن تؤذيه، ومن هذه المميزات:
1- كبر حجمه الذي يصل إلى 36 قدمًا.
2- له تجويف فم كبير يصل طوله إلى حوالي 15 قدمًا.
3- لا توجد أسنان بتجويف الفم.
4- يسبح على سطح المياه فاتحًا فمه في أغلب الأحيان.
ومن الجدير بالذكر أنه مذكور في الموسوعات العالمية بأنه أشهر مثال على الحيتان التي لا تهاجم الإنسان (معظم أنواع الحيتان لا تهاجم الانسان).
التاريخ وحوت يونان
لقد سجل التاريخ أحداثًا متشابهة لقصة يونان سواء بالنسبة للحيتان أو بالنسبة للأسماك
أ) بالنسبة للحيتان:
تذكر القصص:
1- أن شخصًا وزنه 100 كجم قد تمكن من المرور من فم حوت ميت إلى تجويف أنف الحوت.
2- نشرت مجلة Sunday School Times أن كلب أحد صائدي الحيتان فقد منه مرة، ولكنه وجده حيًا بعد ستة أيام في رأس أحد هذه الحيتان.
ومن هنا يسجل لنا التاريخ إمكانية حدوث قصة يونان، حيث يسجل أمثلة مشابهة.
ب) بالنسبة للأسماك:
1- فقد أحد الجنود في جزر هاواي وبعد 30 يومًا تمكن صيادي جزيرة هاواي أن يصطادوا سمكة من نوع Rhinodon Typicus وكانت المفاجأة أنهم وجودوا هيكلًا عظميًا متماسكًا غير مكسور لرجل طوله 6 أقدام.
2- حادثة مشابهة في جزر هونولولو حيث اختفى اثنان خرجا في مركب، وخرجت السفن للبحث عنهما. ولكنهم لم يعثروا سوى على المركب مقلوبة على بُعد 30 ميلًا من الشاطئ، وبعد عدة أيام تمكن بعض من الصيادين من اصطياد سمكة من نفس النوع R. T. فوجد بأحد هذه الأسماك جثة أحد التاجرين. حيث تعرفا عليه من أسنانه الصناعية. ولقد ذكرت هذه القصة وقتها وكالة الأنباء المتحدة United Press
3- والحادثة الثالثة حدثت في القنال الإنجليزي (أسكتلندا) حيث كان أحد البحارة من الأسطول الإنجليزي يقوم بالصيد، فسقط من المركب فتلقفته سمكة عظيمة من نوع RT السابق الذكر، وفرت هاربة أمام زملاء هذا البحار.
فانطلقت السفن تبحث عنها، فوجدوها بعد 48 ساعة، وتمكنوا من اصطيادها بقنبلة زنتها رطلًا، وبعد سحبها والتفتيش داخلها لاستخراج جثة البحار (اسمه جيمس بارتلي)، كانت المفاجأة أنهم وجدوه حيًا ولم يمت، ولكنه كان في غيبوبة فنقلوه إلى المستشفى وخرج منها سليمًا. بل وتم عرض هذا البحار في معرض بلندن تحت اسم "يونان القرن العشرين". وقد نشرت كذلك إحدى الجرائد الفرنسية هذا الحادث تحت عنوان: "يونان الثاني" Le Deuxieme Jonas.
وفي عام 1953 نجح بعض البحارة في بحر الشمال (بين هولندا وأنجلترا) من طعن أحد الحيتان بهلب السفينة، ثم حقنوه ببعض المواد حتى يحتفظوا به أطول فترة ممكنة.. ولما جذبوه تبين لهم أن طوله أكثر من 84 قدمًا (أي ما يزيد على 25 مترًا)، وكان قلبه بحجم بقرة، وأما رأسه فثلث طول جسمه (أي بمثابة غرفة طولها نحو ثمانية أمتار (8 متر) تتسع لعدد من الناس. وفعلًا أتوا بفتاة كبيرة، فنزلت إلى فمه واختفت في فكه الأسفل اختفاء تامًا، وذلك ليبرهنوا أنه من الممكن أن يبتلع الحوت لا إنسانًا واحدًا، بل أكثر من إنسان.
المهم أن هذا الحوت سموه أيضًا "حوت يونان" Jonah's Whale، وخصصوا له سفينة تحمله وتطوف به حول العالم كله، حتى يراه كل انسان.. ومن الجدير بالذكر أن نيافة الأنبا غريغوريوس المتنيح قد رآه أكثر من مرة (في مانشستر بإنجلترا – في أكسفورد بانجلترا أيضًا – في ميدان التحرير بالقاهرة حين عُرض في عام 1955 للجمهور برسم دخول 5 قروش :)
فهل بعد هذا كله لا تصدق قصة يونان؟ فالكتاب المقدس يشهد لها، والعلم يؤكدها، والتاريخ يسندها بأمثلة حية.