المسيح راعي كنيسته
10: 27- 30
خرافي تسمع صوتي. وأنا أعرفها وهي تتبعني.
إن صورة القطيع قريبة من الإنسان الذي يقرأ الكتاب المقدّس. الله هو الراعي الذي يقود شعبه في البرية (مز 79: 13؛ 95: 7؛ 100: 3). وإذ أراد أن يقود شعبه، إختار خداماً يشبهون يشوع، فخرجوا من المدينة وعادوا إليها وهم يقودون هذا الشعب. وأخرجوا الشعب وأدخلوه لكي لا تكون الجماعات خرافاً لا راعي لها (عد 27: 17). وبإسم الله ندّد إرميا بالرعاة الذين أهلكوا القطيع وبدّدوه (23: 1- 4).
وعند يوحنا، تذكّرُ الراعي الصالح يتركّز على يسوع الذي عارض نفسه باللص (الذي جاء يسرق) وبالغريب. ويصوّر هنا العلاقات التي تربط الراعي بالخراف: الراعي يختلف عن الأجراء. يختلف عن اللصوص الذين يقودون القطيع إلى الموت. أما يسوع الراعي الصالح فيمنحهم الحياة الأبدية. ثم يقيم مع الخراف علاقات معرفة فريدة.
إن هذه الآيات القليلة تستعيد موضوع الراعي والخراف، الذي يتوسّع فيه المثل. وهي تشدّد على الوفاق (والحياة الحميمة) بين الإبن الذي يحمي الخراف، والآب الذي أوكل إليه أمر رعايتها. والتعرّف إلى المسيح وتقبّله هما عطية من الله يهبهـا لخرافه. لقد ترجم يوحنا هنا في لغته معطية تقليدية تشهد عليها الأناجيل الإزائية: إذا كان بطرس قد استطاع أن يعترف بأن يسوع هو المسيح، فهذا يعود إلى "الآب الذي في السماوات" (مت 16: 17).
ويصل وحي يسوع إلى الذروة في عبارة: "أنا والآب واحد". إن هذه العبارة الجريئة تشدّد على الوحدة العميقة بين الآب والإبن. وانطلاقاً من هذه الحياة الحميمة بين الآب والإبن، نستطيع أن نؤكّد على لاهوت يسوع.
والحياة الحميمة المؤلّفة من معرفة واتحاد عميق بين الآب والإبن، تجد امتدادها الطبيعي في علاقة الله الثالوث بالمؤمنين. هم بين يدي الآب. ولا يستطيع أحد أن ينتزعهم من يديه. والآب يسلّمهم إلى الإبن الذي يجعلهم أخصّاءه. ويؤمّن لهم الحماية نفسها. وهذه المهمة التي سلّمت إلى الإبن تصل به إلى الموت على الصليب. وهذا الموت ليس تخلّياً "ينتقم" به الآب من الخطأة وبالتالي من يسوع الذي صار خطيئة من أجلنا. إنه بالأحرى اتحاد كامل في التعبير عن حب الله للبشر.
لقد عبّر الرسّامون عن هذه الحقيقة فصوّرت إحدى الرسمات الثالوث المتألم: الآب في عظمته وجلاله، يتقبل المسيح المصلوب على ركبتيه بحلول الروح القدس بشكل حمامة.
حين نقرأ يو 10: 27- 30 ورؤ 7: 9- 17، نجد نفوسنا أمام صورتين لسرّ المسيح تكادان تتعارضان: صورة الراعي وصورة الحمل.
يقول سفر الرؤيا: "لا يجوعون ولا يعطشون، لأن الحمل الذي يقف في وسط العرش يكون راعيهم ويقودهم إلى مياه ينبوع الحياة".
صورة جريئة. صورة الحمل الذي يصبح راعياً. يسير في مقدّمة الوفد ليقوده بصورة نهائية إلى ذلك الذي هو الحياة، إلى ذلك الذي يمسح كل دمعة من عيونهم. ويدعونا يوحنا إلى أن نتأمّل في ضوء الفصح في هذا الراعي المسكوني. أن نسمع صوته ونتبعه، وهكذا نتّحد بهذا الجمع الغفير من المؤمنين الذي نقّوا حياتهم. هم لم يسفكوا دمهم، ولكنهم عاشوا عمادهم الذي أشركهم في فصح العمل الخلاصي.
كل أحد ترسم جماعاتُنا المسيحية شعبَ المعمدين هذا الذي لا يستطيع أحد أن ينتزعه من يد المسيح. وفي كل ليتورجيا أفخارستية، نحن شعب الحجّاج المجتمعين أما عرش إله العهد، نشارك منذ الآن في انتصار الحمل الذي هو ينبوع رجائنا.
ونسمع هنا صوت الراعي الذي يدعونا إلى متابعة الطريق على خطاه. نحن ما زلنا في "خروج وعبور"، في انتقال إلى مراعي الحياة. والسعادة مع الله هي موضوع وعد وانتظار. غير أن النجاح مؤكّد بواسطة الحمل الذي غَلَب.
ونتشبه بهذا الجمع الغفير فنقدّم عبادة دل في معبد الخليقة ليلاً ونهاراً. فالكنيسة، التي هي شعب حجّاج ليست بعدُ ملكوت الله. إنها زرع الملكوت وعلامته. وملك الحب هذا هو الأفق الذي إليه تسير راجعة إلى ربهّا.
علينا نحن المسيحيين، أفراداً وجماعات، أن نتقبّل دوماً قوى الروح، وهذه الطاقات طاقات الحب، وزروع الملكوت التي تروي قلبنا، وبنا تخصب الكون والتاريخ.
أيها الله الآب. قد سمعنا صوت ابنك ونحن نرغب في اتباعه. ليكن خبز الحياة الذي هو جسده المعطى لنا، منتصراً على كل موت فينا. وهكذا لن يستطيع شيء ولا يستطيع إنسان أن ينتزعنا من يده. إستجبنا بيسوع راعينا الحقيقي الذي يحيا معك ومع الروح القدس إلى أبد الآبدين. آمين