تأمل في هذا الوجه الذي لم تستطع الملائكة أن تنظره - قبل التجسد - بل كانت أمامه تغطي وجوهها بجناحيها (إشعياء6: 2)،
والذي أمامه تزلزلت الجبال وارتعدت الأرض والسماء (قضاة5: 5، مزمور68: 8)،
والذي أضاء كالشمس على جبل التجلى (متى17: 2)، وفي يومٍ آتٍ قريباً ستهرب السماء والأرض منه (رؤيا20: 11).
كيف تنازل - له المجد - واتّضع إلى الحد الذي فيه نرى وجهه في
الصور الآتية: دموع ودماء عليه: بلّلته كثيراً دموع العطف والحنان والشفقة على الأحباء: بكي عند موت لعازر ؛ بكي عندما نظر إلى أورشليم ورأى ما سيأتي عليها من خراب ودمار ؛ أيضاً تبلل خداه بالدماء التي سالت مِن رأسه المكلّل بالشوك.
العار يلحق به: «بذلتُ ظهري للضاربين وخديَّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق» (إشعياء50: 6).
ألا ترى صديقى القارئ كل العجب! شخص بار يُهان بهذه الصورة فيحتَمِل! ومع أنه قوي، وقدير وبإمكانه إبادة كل أعدائه بكلمة، لكنه يصبر ويتذلل ولم يفتح فاه! ياللعجب!!
قبلة غاشة على خديه: صورة أخرى، أشد قسوة، وقعت على خدَيَّ الرب. هذه المرة لم تكن بلطمة أو بلكمة، بل بقبلة! ويا ليتها كانت من مُحِب لتشجيع الرب في يوم معاناته، بل من صديق خائن! ولو أردنا أن ندرك عمق الجرح والألم نقرأ قول الرب فى مزمور55
حقاً إن أعمق الجروح تأتي لا من إهانات الأعداء - لأنها متوقَّعة - بل من خيانة القريبين والأصدقاء.
موقفك منه: صديقي تأمل معي:
الأعداء يلطمون ويبصقون ويلكمون.. ويهوذا يقبِّله ولكنه يخون ويبيع ويحمل فى جيبه ثمن الخيانة.. لكن لا تتعجل في الحكم على الآخرين. أخاف أن تدَّعي أنك تَقْبَله وتدّعي معرفتك به، ومحبتك له، بصورة أو بأخرى، وفي ذات الوقت يوجد في جيبك أو في بيتك أو في قلبك ما يثبت أنك خائن للمسيح وبعته بالرخيص، وهو الغالي، وينطبق عليك القول «هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً» (مرقس7: 6).
وأخاف أن تكون واحد من الكثيرين الذين ما زالوا يلطمون المسيح بلطمات قاسية.
فهناك من يلطمونه بإنكار لاهوته أو بنويته أو ناسوته، وهناك من يلطمونه بإنكار موته وقيامته، وهناك من يلطمونه بإنكار حقه في تأسيس ملكوته على الأرض التي أُهين عليها، وهناك من يلطمونه بإنكار وحي وصدق الكتاب المقدس فيضيفون عليه أو يحذفون منه. وللأسف أن تأتي اللطمة الكبرى - وكأنها بقضيب على خده - مِمَنْ يُدعى اسم المسيح عليهم!
صديقي:
هذا الوجه المُهان، والذي رآه الناس أخِر مرة على الصليب «كان مُفسَداً أكثر من الرجل» (إشعياء25: 41)، سيأتي اليوم قريباً، الذى فيه تراه كل عين، ومنه ستهرب السماء والأرض في يوم غضبه.. فاهرب إليه الآن، وإلا فَمِنْ وجهه أين تهرب؟!