فلــــــــــــــــنشكر
لمثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
إننا نبدأ صلواتنا بالشكر ، لأن إحسانات الله علينا في الماضي كثيرة جداً . قبل أن نطلب جديداً ينبغي أن نشكر الله على إحساناته السابقة . وكما قال ماراسحق " ليست موهبة بلا زيادة ، إلا التي بلا شكر " .
والله ليس محتاجاً إلى شكرنا ، ولكننا نحن المحتاجون أن نشكر الله . كلما نشكر الله نتذكر إحسانات الله . وكلما نتذكر إحساناته ، نشعر ونتأكد من حبة قلبه لنا . وكلما نتأكد من محبته ، تزيد الصلة بيننا وبينه . وهكذا نستفيد .
كما أن شكر الله وتذكر إحساناته يشجعنا أن نعيش في الرجاء . ونقول أن الذي حافظ علينا في الماضي . يحافظ الآن والذي ستر في الماضي ، يستر الآن . على رأي كاهن عجوز في الصعيد كان دائماً يصلي ويقول : " اللي قضي مضي يقضي ما بقي " . أي إن الذي ساعدنا على أن نقضي ما مضي من أيامنا ، يجعلنا نقضي ما بقي منها . فنحن نحاول أن نتذكر إحسانات الله إلينا ، لكي يكون لنا رجاء في المستقبل .
داود النبي كان باستمرار يذكر إحسانات الله إليه .
ليتكلم تحفظون المزمور 103 " باركي يا نفسي الرب ، وكل ما في باطني يبارك أسمه القدوس ، باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته ... " فهو يطلب أن تبارك الرب فليبارك الله من أعماق قلبه ، من داخله قائلاً " كل ما في باطني فليبارك إسمه القدوس " .
إننا نبدأ صلواتنا بالشكر ، وليس بالطلب ، لئلا يظن أنه لولا الطلب ما كنا نصلي ! أو أن صلواتنا صلاة منفعة ! لكننا نقول له قبل أن نطلب منه شيئاً : إننا مغمورون يارب بأحساناتك . فضلك علينا كثير . حتى إن كنت لا تعطينا الآن شيئاً ، يكفي ما مضي من إحساناتك علينا . إنها تكفي .
ونحن نشكر الله في شعور بعدم الاستحقاق . الشخص المنسحق النفس ، هو الذي يستطيع أن يشكر . لماذا ؟ لأن الإنسان المتكبر ، يظن في الخير المحيط به أنه هو أهل له ، وأنه يستحق نتيجة أعماله ، ونتيجة لجهاده . وقد ينسب كل الخير المحيط به إلى نفسه .
إذا نجح في إمتحان يقول : أنا ذاكرت هذه السنة وتعبت وإن كان في صحة ، ينسبها إلى عنايته بنفسه . وإن كان غنياً ، يقول حسن أنني اكافح في الحياة ، لذلك أتمتع بتعب يدي ، إنه ينسب الخير كله إلى نفسه .
أما المنسحق القلب ، فيشعر أنه لا يستحق شيئاً ، القليل الذي معه ، يشكر عليه كثيراً جداً . يقول له : يارب أنا لا أستحق كل هذا ! تخجلني نعمتك ومحبتك ، وإحساناتك . فلو عاملتني حسب استحقاقي ، لكنت أشابه الهابطين في الجب .
إن الذي يستطيع حقاً أن يشكر هو الإنسان المنسحق .
هناك أشخاص حياتهم كلها تذمر ، حياتهم كلها تضجر .
مهما أعطاهم الله ، لا يشكرون ، ومهما أخذوا ، لا يباركون الرب . باستمرار في تضجر وتذمر . لاحظوا أن أبوينا الأولين كان عندهم خيرات الجنة كلها . ومع ذلك لم يكتفيا واشتهيا الشجرة الباقية
فالشكر ينشأ داخل القلب . على رأي ماراسحق " الذي لا يشكر على درهم واحد ، كاذب هو إن قال إنه يشكر على ألف دينار " . الشخص الذي لا يشكر على القليل لا يمكن أن يشكر على الكثير ، لأن عنصر الشكر غير موجود في قلبه .
حياة الشكر هي حياة رضا . إنسان قلبه راض ومستريح على الوضع الذي هو فيه . يقول له يارب أشكرك . مجرد بقائي كما أنا ، مجرد أني سائر على قدمي ، إنما هو نعمة عظيمة من عندك .
إن كنا لا نشكر ، فذلك لأننا لا نري ! لا نبصر إحسانات الله ! لأن عيوننا ترفض أن تبصر . لو كنا نري ما يحيط بنا نعم لكانت حياتنا كلها لا تكفي للشكر . فعلي الأقل وكل صلاة من صلواتنا نبدأها بالشكر . نشكر ربنا الذي خلقنا وأوقفنا قدامه . وأعطانا فرصة لكي نصلي ، وقلباً منتفخاً للصلاة ، وجعلنا مستحقين أن نرفع أيدينا إلى فوق .