الاحلام في الكتاب المقدس
كانت الأحلام وتفسيرها محل الكثير من الفضول والتساؤلات على مر العصور .
وبسبب الغموض الذي يكتنف الأحلام، ونتيجة للرغبة الشديدة في استطلاع المستقبل، اكتسبت الأحلام أهمية كبرى،
وبخاصة بين الشعوب الأقل حضارة،
بل إن المثقفين أيضاً لا تخلو حياتهم من خوف خرافي من الأحلام يفسرونها حسب العادات الموجودة في بيئتهم .
ومن الطبيعي ـ كما يحدث في كل الظواهر العادية والطبيعية الأخرى التي لا يجد لها المرء تفسيراً عقلانياً أو عملياً ـ
أن ينظر الإنسان إلى الأحلام بنوع من الخوف الخرافي الذي لا سند له.
(1) الأساس الفسيولوجي والسيكولوجي للأحلام:
بينما لم تظهر إلى الوجود أي نظرية عن الأحلام مرضية تماماً،
ولعله من المستحيل أن يظهر أي تفسير مقنع لكل حلم على حدة، إلا أن الاكتشافات المتلاحقة في علم النفس الفسيولوجي في العقدين الأخيرين ،
قد ألقت أضواء جديدة على هذا الموضوع .
وما أسهم به علم النفس الحديث،
في معرفتنا عن تداعي الأفكار من خلال علاقة الارتباط بين بعض المناطق والمراكز المعينة في قشرة الدماغ،
جعلنا نكاد نؤكد أن إحداث إثارة ما في أعضاء معينة أو مناطق محددة في الجسم، يؤدي إلى استثارة مناطق معينة في المخ. كما أن استثارة مناطق معينة في الدماغ ، تحدث تجاوباً في مناطق معينة في الجسم، هي التي تسيطر عليها تلك المراكز في الدماغ. ومن ثم يعتمد الربط بين عمليات التفكير على الربط الصحيح بين الأفكار من خلال ما يعرف فسيولوجياً ووظيفياً باسم مراكز التداعي . فإذا حدث ـ كما في الأحلام ـ أن تعبره أجزاء من الأفكار أو سلسلة غير مترابطة تماماً من الأفكار - وهو ما يحدث كثيراً - يحدث ارتباط لحظي لكنه ضعيف بالنسبة لما يحدث في اليقظة. ومن السهل أن نرى أن استثارة مراكز معينة يوقظ سلسلة معينة من الأفكار ليس لها سوى ارتباط واهٍ بميزان عمليات التفكير في الإنسان. ويقال الكثير عن تشتت الأفكار واضطراب الشخصية التي تكون الأحلام بعض أشكاله العديدة، أما الأشكال الأخرى فهي الهلوسة والهذيان والرؤى وغيرها. وقد تكون الأحلام ـ في بعض الأحيان ـ غير طبيعية، بل قد تكون مرضية. وينبغي أن يخلو النوم الطبيعي السليم من الأحلام التي نعي حدوثها . ومن الناحية السيكولوجية، لا يمكن أن يوجد نوم خالٍ تماماً من الأحلام، فهذه الحالة هي الموت بعينه.
وللطبيعة ـ بلا شك ـ عيون ساهرة صامتة تراقب دواخل النفس خلال النوم العميق. والفرق الوحيد هو أنها لا تتخطى أعتاب الوعي. وهكذا تكون الأحلام للنائم، مثل الرؤى والهذيان للمستيقظ، ولها - مثلهما - أسباب في اختلال وظيفة التصور. وبينما قد لا يكون مصدر الإثارة واحداً في كلتا الحالتين، إلا أنه - وظيفياً - نفس الشيء.
ولعل مثيرات الأحلام نوعان: قد يكون المثير موضوعياً ومادياً، أو قد يكون نتيجة للإيحاء وتداعي الأفكار . وقد تأتي الأحلام نتيجة لاضطراب جسماني مثل سوء الهضم أو اضطراب الدورة الدموية ، أو سوء التهوية، أو الحرارة غير المناسبة، أو لوضع غير مريح في أثناء النوم. وحيث أن من طبيعة الأحلام أنها لا تحدث في حالة اليقظة، فلا يمكن معرفة السبب الحقيقي بسهولة، وذلك بعد أن يكون النائم قد استيقظ بتأثير الحلم عليه .
وقد تحدث الأحلام نتيجة لتداعي الأفكار . ويلعب الإيحاء دوراً كبيراً ، ففي خلال ساعات النوم، قد يظهر على السطح - من أعماق العقل الباطن أو اللاوعي - انطباعات الوعي الحديثة النشطة التي حدثت في حالة اليقظة.
وترجع الصورة المشوهة للأحلام - بلا شك - إلى الفصل بين مجموعات الأفكار، من خلال الفصل بين مراكز تداعي الأفكار في القشرة المخية، فبعضهما يكون أقل تأثيراً بالمثير من بعضها الآخر.
ولا يلزم أن تكون موضوعات الأحلام حديثة، فقد تعدها العمليات الواعية منذ أمد بعيد، لكنها لا تصل إلى الأعتاب الفاصلة إلا بسلسلة من الأفكار في خلال حالة نصف الوعي. ومن الهام أن نعرف أنه بينما يبدو عنصرا الزمان والمكان حقيقيين في الحلم، فإن الحلم قد يغطي مساحة كبيرة من الزمان أو المكان في لحظة واحدة.
(2) تاريخ الإيمان بالأحلام:
تلعب الأحلام دوراً هاماً في آداب وديانة كل الشعوب ، فهي تمد الشعوب بالأساطير، كما هي أساس عمليات استحضار الرواح، كما أنها مفتاح تفسير كل أعمال العناية التي لا سبيل آخر لتفسيرها. ومن هذه الأحلام تكونت نظريات عن الكوابيس والأرواح الشريرة . والأحلام كانت مصدر لأقوال الأنبياء الحقيقيين والوثنيين، ولم تخل حضارة العصور الوسطى من تأثير الأحلام، وما زالت الحضارات الحديثة تنظر بعين الرهبة للأسرار الغامضة لبعض الأحلام، ومع أننا خرجنا من نطاق التعلق بالاعتقاد الخرافي في الأحلام، إلا أنه يجب أن نعترف بإمكانية التأثير العميق للأحلام على الناس.
(3)الأحلام في العهد القديم :
نرى من الكتاب المقدس أن الأحلام مصادر ثلاثة، وعلى هذه المصادر تتوقف أهميتها:
(أ)أحلام طبيعية ( جامعة 5: 3).
(ب)أحلام سماوية ( تك 28: 12).
(ج)أحلام من الشرير ( تث 13: 1و2، إرميا 23: 32).
واكثر ما يستخدم العهد القديم كلمة حلم هو باعتباره وسيلة لتبليغ رسالة من الله :
إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه (عدد 12: 6)،
لكن الله يتكلم مرة وباثنتين .. في حلم .. ليحول الإنسان عن عمله ويكتم الكبرياء عن الرجل، ليمنع نفسه عن الحفرة وحياته من الزوال بحربة الموت (أيوب 33: 14 - 18)
وبهذه الصورة جاء الله إلى أبيمالك في حلم الليل (تك 20: 3).
ويقول يعقوب : قال لي ملاك الله في الحلم (تك 31 :10و11).
كما أتى الله إلى لابان الأرامي في حلم الليل ( تك 31: 24).
وتراءى الرب لسليمان في حلم (ا مل 3: 5).
وبعض الأحلام في العهد القديم، كانت تحمل نبوة عن أحداث مستقبلية، ومنها أحلام يوسف التي قصها على إخوته ( تك 37: 5-11).
وأحلام رئيس السقاة ورئيس الخبازين وتفسير يوسف لها ( تك 40: 1-23).
وأحلام فرعون ( تك 41: 1-32).
وكيف تشجع جدعون عندما سمع في محله المديانيين أحد المديانيين يروى لصاحبه حلماً، وتفسير صاحبه له بأن الله قد دفع المديانيين إلى يد جدعون ( قض 7: 13-15).
وحلم نبوخذنصر عن الإمبراطوريات العالمية ( دانيال 2: 1-45)، وحلمه عما سسيصيبه نتيجة كبريائه ( دانيال 4:4 - 27).
وحلم دانيال عن الرياح الأربع وهجومها على البحر الكبير وصعود الأربعة الحيوانات العظيمة (دانيال 7: 1-28).
وكان على بني إسرائيل أن يميزوا بين الأحلام وتفسيرها، فقد تكون أحلاماً كاذبة لغواية الشعب بالأكاذيب ( إرميا 23: 32) ولكن المحك في ذلك هو كلمة الله ووصاياه ( تث 13: 1-5).
كما يذكر الكتاب أن الأحلام قد تأتي نتيجة أسباب طبيعية: لأن الحلم يأتي من كثرة الشغل ( جا 5: 3)،
كما قد تكون مصدراً للأباطيل : لأن ذلك من كثرة الأحلام والأباطيل وكثرة الكلام ( جا 5: 7).
كما تستخدم كلمة الحلم مجازياً للدلالة مثلاً على سرعة فناء الشرير كالحلم يطير فلا يوجد ( أيوب 20: 8).
صاروا للخراب بغتة، اضمحلوا فنوا ... كحلم عند التيقظ ( مز 73: 19و20)،
كما للدلالة على الشيء المدهش المذهل الذي لا يكاد يصدق: صرنا مثل الحالمين ( مز 126: 1).
وكذلك لوصف الآمال الكاذبة وخراب أعداء أورشليم ( أريئيل):
ويكون كحلم كرؤيا الليل، جمهور كل الأمم المجندين على أريئيل ... كما يحلم الجائع أنه يأكل ثم يستيقظ وإذا نفسه فارغة، وكما يحلم العطشان أنه يا فيها، و ألولا المذكورة في كتابات جيروم لام
في العهد الجديد:
تستخدم كلمة حلم ست مرات في إنجيل متى، وجميعها تتعلق بشخص ربنا يسوع المسيح، فظهر ملاك الرب ليوسف في حلم قائلاً له يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حبل به فيها هو الروح القدس ( مت 1: 20-23)
. كما أن الرب أوحى للمجوس في حلم أن لا يرجعوا إلى هيردودس (مت 2: 12)،
وحدث أن ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: قم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر.. ( مت 2: 13).
وحدث مرة أخرى أن ملاك الرب قد ظهر ليوسف في مصر قائلاً : قم وخذ الصبي وأمه وأذهب إلى أرض إسرائيل ( مت 2: 19و20).
كما أن يوسف لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية ..
إذ أوحي إليه في حلم انصرف إلى نواحي الجليل ( مت 2: 22).
كما أرسلت زوجة بيلاطس إليه تحذره قائلة:
أياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله ( مت 27 : 19).
أما المرة السابعة والخيرة التي ذكرت فيها الأحلام في العهد الجديد ، فهي ما جاء في كلام الرسول بطرس في يوم الخمسين اقتباساً من نبوة يوئيل: ...
ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً ( أ ع 2: 17).
ولا تذكر الأحلام بعد ذلك في العهد الجديد،
فلم تعد وسيلة لتوصيل رسائل الله للناس ،
بعد أن أصبح الروح القدس يسكن في المؤمنين ويرشدهم إلى كل الحق المعلن لنا في كلمة الله،
وما أروع القول:
الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة،
كلمنا هذه الأيام الأخيرة في ابنه ( عب 1: 1و2).