"مَن رَفَعَ نَفَسَه وُضِع، ومن وَضَع نَفسَه رُفِع"
يا إخوتي، يؤكّد الكتاب المقدّس لنا أنّ "مَن رَفَعَ نَفَسَه وُضِع، ومن وَضَع نَفسَه رُفِع"، فيوضّح لنا بذلك أنّ الارتفاع هو شكل من أشكال الكبرياء. ويشهد كاتب المزامير على ذلك من خلال قوله: "يا رَبُّ، لم يَستَكبِرْ قَلْبي ولا اْستَعلَت عَينايَ ولم أَسلُكْ طَريقَ المَعالي ولا طَريقَ العَجائِبِ مِمَّا هو أَعْلى مِني" (مز131(130): 1)... ونستنتج من ذلك، يا إخوتي، أنّه لو أردنا بلوغ قمّة التواضع والوصول بسرعة إلى هذا الارتقاء السماوي الذي نبلغه بفعل تواضعنا في حياتنا الحاليّة، علينا أن نستقيم ونتسلّق بواسطة أعمالنا هذا السلّم الذي تراءى ليعقوب في الحلم حيث رأى "مَلائِكَة اللهِ صاعِدينَ نازِلينَ علَيه" (تك28: 12). ولا شكّ في أنّ حركة الصعود والنزول تلك لا تعني لنا شيئًا آخر سوى أنّنا ننزل إن رفعنا أنفسنا ونرتفع بفعل التواضع. والحال هذه، فإنّ هذا السلّم ليس سوى حياتنا في هذا العالم التي يرفعها الربّ إلى السماوات عندما تتواضع قلوبنا.
والتواضع في المرتبة الأولى هو أن نحفظ دومًا في نفوسنا مخافة الله، فلا ننساها مهما حصل. سنذكر دومًا ما أوصى به الله. ولكي يعي الأخ المتواضع بحقّ كم هي شريرة أفكاره، عليه أن يردّد في نفسه بدون انقطاع: "كُنتُ معَه كامِلاً ومِنَ الإِثْمِ صُنْتُ نَفْسي" (مز18(17): 24). أمّا التصرّف بحسب أهوائنا، فممنوع بحسب الكتاب المقدّس إذ يذكر: "لا تتَبعْ أَهْواءَكَ، بل اْكبَحْ شَهَواتِكَ" (سي18: 30). ونحن نقول لله في صلاة الأبانا: "لتكن مشيئتك"... "عَينا الربً في كُلِّ مَكان تُراقِبانِ الأَشْرارَ والأَخْيار" (مثل15: 3)، و"مِنَ السَّماءِ أَطَلَّ الرَّبُّ على بَني آدَم لِيَرى هل مِن عاقِلٍ يَلتَمِسُ الله" (مز14(13): 2).
عندما يسبر الراهب عالم التواضع بأشكاله كافّة، يصل بسرعة إلى محبّة الله التي أصبحت كاملة وطردت الخوف إذ "لا خَوفَ في المَحبَّة" (1يو4: 18). وبفضل هذه المحبّة، فإنّ كلّ ما كان يراه سابقًا فينتابه الخوف، يراه الآن بدون أي مشقّة كما لو كان ذلك طبيعيًّا وعاديًّا...، وذلك بفضل حبّ المسيح واعتناق الخير وتذوّق طعم الفضيلة. عندئذٍ يتنازل الربّ ويتجلّى لعبده بواسطة الروح القدس.